رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي الوزير،إن المملكة المغربية،انطلاقا من الرؤيا الملكية الثاقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حافظت على وحدتها بفضل القيم الصوفية والروحية وخصائصها الدينية التي، على مدى قرون، عززت دائما هوية المملكة الشريفة.
وقد تمكن بلدنا السعيد تدريجياً وبمنهجية واضحة من القضاء على الأطروحات الإيديولوجية الخاطئة التي   تولّد الفكر الظلامي المتطرف.
ولمواجهة الفوضى التي تنتج عن إيمان مشوش وعقيدة غير سليمة، كان من الضروري الحذر والوقاية ضد ظهور الخطاب الراديكالي والمكائد التي تهدد أيضًا حرية الضمير الموجودة في كل مكان وزمان.
لهذا السبب تصوف أصبح من الضرورة القصوى إحياء المجال الديني والنهوض به، خاصة في بعده الصوفي حتى لا يتم احتواؤه سياسيا أو إيديولوجيا.
إن الأمر يتعلق هنا، سيدي الوزير، بتوعية تمس أحد أهم الأسس في بلدنا السعيد: « إمارة المؤمنين ». أي أن جلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله هو إمام الشأن الديني في أعلى أبعاده، مما يحفظ البلاد والعباد من التأويلات والفتاوى التي تلوي عنق النصوص وتمس بالأمن الروحي للمغاربة. لذا ومن أجل ضمان هذا الأمن الروحي للمواطنين، فقد اختار المغرب منذ قرون مبدأ إمارة المؤمنين الذي يعضضه اختيار المملكة المغربية للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي.
جاء في الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الأربعاء 30 يوليوز 2014، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين ما يلي:
« إن عملنا على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا يعادله إلا حرصنا على ضمان أمنهم الروحي، وتوطيد النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني. »

سيدي الوزير ، إن دور الزوايا والأركان في الحفاظ على الوحدة الإقليمية عبر تاريخ المغرب بليغ للغاية في هذا المعنى. لطالما قام الزوايا بتعليم المواطن تكريمًا لفضائل مثل الصدق والإخلاص والشجاعة والصبر والإخلاص للوطن ووحدته الإقليمية. إن التاريخ الروحي للمغرب له عظمة لا يمكن إنكارها يتأكد أكثر فأكثر ، من خلال الدور الذي لعبه الملك من الآن فصاعداً كمرشد روحي وقائد للمؤمنين في جميع أنحاء إفريقيا.

سيدي الوزير، إن الدور المحوري الذي لعبته الزوايا دائما في الحفاظ على الوحدة الترابية أمر معبر للغاية في هذا الصدد. لطالما قامت الزوايا بتربية المواطن على مكارم الأخلاق مثل الصدق والإخلاص والشجاعة والصبر والإخلاص للوطن ووحدته الإقليمية.
إن التاريخ الروحي للمغرب له عظمة لا يمكن إنكارها وتتأكد أكثر فأكثر، من خلال الدور الذي يقوم به جلالة الملك محمد السادس نصره الله كإمام روحي وأمير للمؤمنين في جميع أنحاء إفريقيا.
سيدي الوزير، إن بلدنا الحبيب، كما تعلمون، أصبح مرجعا مهما على مستوى السياسات المتعلقة بالشأن الديني. إن المغرب قوي وفخور بدوره القيادي والعلمي خاصة على مستوى دور العلماء المغاربة ذوي المكانة العلمية العالمية.
في 27 مارس 2015، افتتح صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، » معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات « . وفي 13 يوليوز2015، ترأس جلالته حفل الإعلان في الدار البيضاء عن إنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة،لنقل قيم نموذج الإسلام المغربي. وهذه المؤسسة الدينية الإسلامية، تُعنى بالتعاون بين علماء المغرب وعلماء البلدان الإفريقية من جهة، وبين هؤلاء بعضهم مع البعض، من جهة أخرى، على ما يحفظ الدين من التشويه والتطرف، وما يجعل قيمه السمحة في خدمة الاستقرار والتنمية في هذه البلدان.
نحمد الله جل وعلا لأننا محظوظون بكوننا ننتمي ونعيش في بلد جميل مثل المغرب الذي يلمع نجمه عاليا بفضل حكمة واستراتيجية حفيد النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله.
الملك يحب الشعب المغربي والشعب المغربي يحب ملكه.
حقيقةُ قوةِ هذه العلاقة القائمة بين الملك وشعبه تحقق منها العالم كله مرة أخرى في الآونة الأخيرة وذلك من خلال العمل الرائع الذي تم بتعليمات وحكمة جلالة الملك محمد السادس نصره الله للسيطرة على جائحة كورونا.حيث عرفت البلاد بأكملها تعبئة شاملة مدهشة، لاسيما على مستوى الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا الذي أطلقه صاحب الجلالة والذي بلغت إجمالي التبرعات التي تم تقييمها عن كثب 40 مليار درهم!
على حد علمي، لا أعرف بلد آخر حقق مثل هذا الإنجاز التاريخي الذي يجسد التضامن الشعبي.
مما دفع بالمندوب العام لمعهد توماس مور، في إطار تقديم المشورة للدول الأخرى في القارة الإفريقية، إلى التنويه بالتجربة المغربية في هذا الإطار حيث قال: « إفريقيا لن تنقذ نفسها بنفسها، لكن المثال المغربي يظهر لها أنه بوسعها العمل بواسطة مواردها الخاصة، دون انتظار المساعدة الدولية غير المؤكدة، شريطة أن يتم تعبئة شعبها وأن يبرهنوا على حب المبادرة ».
لقد قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وبإعجاب،أجمع عليه كل المتتبعين، من زرع روح الوحدة على مستوى المُواطَنة المغربية وذلك دون تمييز مبني على اعتبارات روحية أو عرقية أو إعتقادية.
نحمد الله على هذه الصفحات التاريخية التي كتبت بماء من ذهب في الذاكرة الجماعية للشعب المغربي والتي توثق لتلك العلاقة الراسخة التي تربط الشعب بالعرش العلوي المجيد والتي يتم تلقينها للأجيال الحالية مما يذكر العادي والبادي بالوطنية الأسطورية للمغاربة والروابط القوية والتاريخية بين العرش والشعب.
إن هذه القيم النبيلة التي تحث على الدفاع عن الوطن وحبه والتضحية من أجله وحب التربية الروحية، كل هذه المعطيات هي التي تجسد اليوم حقيقة وواقع مملكة توجهت بحزم نحو الحداثة والديمقراطية والتنمية البشرية.
معالي الوزير، قبل بضع سنوات، كان لي شرف لقائكم لأول مرة في دوار ماريغا في قلب وادي ويرغان، الذي يقع على بعد ساعة واحدة من مراكش. وبهذه المناسبة، كان من دواعي سروري أن أتناول الغذاء معكم رفقة عامل إقليم الحوز السابق السيد بوشعيب متوكل.
ما زلت أتذكر سؤالاً طرحته عليكم إبان ذاك اللقاء، ويشاء القدر أن أعيد طرحه عليكم اليوم إن سمحتم… يقول الله تعالى في كتابه العزيز: « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ».
سؤالي هو التالي سيدي الوزير: من هؤلاء العباد الذين يوصي الله برفقتهم والصبر معهم؟
سيدي الوزير، بصفتي رئيسا لمؤسسة الجائزة الإفريقية، يشرفني، مع اقتراب ليلة القدر المباركة، أن أعرب لكم عن امتناننا وتقديرنا للجهود المبذولة من قبل وزارتكم، خاصة إبان هذه السنوات الأخيرة، من أجل دبلوماسية روحية وثقافية حقيقية لصالح بعض البلدان الإفريقية والتي هي في توافق تام مع التوجهات الملكية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
سيدي الوزير، أنتهز أيضا هذه الفرصة لأخبركم الآن عن وضعية طريقة صوفية مالكية المذهب والتي رأت النور في نواحي مدينة الناظور منذ 2013.هذه الطريقة لا تزال تمارس أنشطتها الروحية كجمعية صوفية وفق القوانين الجاري بها العمل.
مع أن هذه الطريقة الصوفية معروفة على الصعيد الدولي عند كبار العلماء في شتى الدول على غرار تونس وتركيا ومصر وموريتانيا… (أنظر الوثائق المرفقة) … ومن الولايات المتحدة أيضا مثل الدكتور يوسف كازويت وهو أستاذ جامعي وباحث مختص في الميدان الصوفي ومن مريدي هذه الطريقة المغربية والذي كان من العلماء الذين شاركوا في إلقاء دروس أمام صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في إطار الدروس الحسنية الرمضانية بالقصر الملكي بالرباط.

معالي الوزير، هذه الطريقة تتبع منهجا صوفيا في تربية مريديها متصل السند بالولي الكبير سيدي عبد السلام بن مشيش وكذا بكبار السادة الصوفية المغاربة العظماء.
ونثير انتباهكم سيدي الوزير إلى أنه لمدة تناهز السبع سنوات ظلت وما كَلَّت هذه الطريقة تقوم بتفان تام وبانتظام مذهل وانطلاقا من نواحي مدينة الناظور على تربية ما يفوق 5000 مريد، من جميع أنحاء العالم ومن شتى الجنسيات، على حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام، وكل هذا دون أن تتلقى أدنى إجابة على طلب الدعم الذي تقدمت به هذه الطريقة مرارا وتكرارا لدى مندوبية الوزارة الوصية.
اعتراف رسمي بسيط لهذه الطريقة كزاوية صوفية مغربية كان سيجنبها كل الصعوبات التي تواجهها في أداء دورها على مستوى الدبلوماسية ذات التأثير الروحي في البلاد وفي كل أنحاء العالم خصوصا على مستوى القارة الإفريقية.
هذا العام، ساهمت هذه الطريقة الصوفية المغربية في إنجاز بئرين مهمين بقريتين إفريقيتين، في دولتي الكاميرون والتوغو، كما ساهمت في التبرع بألف شجرة فاكهة.
وفي حدث استثنائي في تاريخ الصوفية في إفريقيا ككل، قامت هذه الطريقة الصوفية المغربية في هذا الشهر المبارك وفي ظل ظروف جائحة كورونا بمنح مساعدة مالية لكنيسة سانت لويس الواقعة بمدينة وجدة وذلك لمساعدتها في إيواء ورعاية مهاجرين أفارقة يعيشون أوضاعا مزرية.
ونستغل الفرصة هنا لنعبر عن كامل امتناننا للكاهن أنطوان لاستقباله وكرم ضيافته لهؤلاء المهاجرين.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن هذه الطريقة الصوفية المغربية تستعد لتسهيل بناء دار للأيتام في إحدى القرى الإفريقية قريبًا. ونشير أيضا إلى أن فروعها المتواجدة ببعض البلدان حصلت على الموافقة الرسمية لافتتاح مقرات لها هناك.
وفي هذا الإطار من المهم جدا أن تعرفوا، سيدي الوزير، أن هذه الطريقة الصوفية المغربية تمول أنشطتها المختلفة من خلال تبرعات مريديها أو المتعاطفين معها وكذا المحبين.
إلا أنه سيدي الوزير، من المؤسف أن أخبركم أن هذه الطريقة الصوفية المغربية تواجه حاليا مشكلا عويصا على شكل عقوبة طالتها في إطار عملية تمديد لمقر زاويتها الواقعة بمدينة العروي، ضواحي الناظور. هذا المشكل العويص نتج بسبب خطأ في خطة التعديل المرخص بها التي تتطلب مبلغًا ضخمًا لتسويتها.
معالي الوزير، أظنكم قد عرفتم أنني أتكلم عن الطريقة الكركرية التي شيخها سيدي محمد فوزي الكركري (قدس الله سره). إن نهج الطريقة وأصولها متاحة على المواقع الرسمية للطريقة وكذا الأمر في الكتب التي يتم توفيرها للمريدين وعامة الناس في المكتبات.
علاوة على ذلك فإن مريدي الطريقة الكركرية ينشطون بشكل واضح وجلي على مستوى مواقع التواصل الإجتماعي وهذا الأمر يزيد من إثراء المبادئ الأساسية الخاصة

 

.بالتربية الصوفية لإسعاد المحبين والمريدين البعيدين عن المغرب.
نور، شفافية، انضباط، أنشطة روحية يومية كالذكر والدعاء والمذاكرة ، نجاح مهني، نجاح أسري وضوح… تلك هي السمات المميزة لهذه الطريقة.
سيدي الوزير، إن مؤسسة الجائزة الإفريقية لا يمكن لها أن لا تحرك ساكنا. مؤسستنا تؤكد وبقوة تشجيعها لكل المشاريع الثقافية والروحية ذات البعد الإفريقي والتي تعتبر كنزا للترات الإنساني.
جيلنا الإفريقي الجديد في أمس الحاجة إلى استعادة قيمه وأصالته. وإيماني قوي بأن المدارس الصوفية تساهم بشكل جد مهم في بلوغ هذه الغاية التربوية التي نحن في أمس الحاجة إليها. هذه الطرق الصوفية تقوم بتكوين مجاني أثبتت التجربة أنه الدرع الواقي ضد التجنيد الديني أو الثقافي الفاقد للأسس الصحيحة.
لذلك، معالي الوزير، يشرفني أن أطلب منكم أن تدعموا بدوركم الطريقة الكركرية في انتشارها الدولي الذي يمثل قيمة رائعة تخدم أولا وقبل كل شيء التنمية البشرية

 

العالمية والشباب الأفريقي.
سيدي الوزير، أرجو منكم، نيابة عن مؤسستنا، التي هي لربما أول مؤسسة في تاريخ أفريقيا أشادت من خلال الجائزة الإفريقية بأكثر من 100 شخصية تنتمي لعالمي الاقتصاد والسياسة، بما في ذلك 7 رؤساء دول لقيامهم بمشاريع تحترم الأفارقة، يرجى منح اعتراف وزاري، وهو في رأينا المتواضع حق مستحق، للطريقة الكركرية كزاوية صوفية مغربية على اعتبار أن المملكة المغربية هي بالفعل وطن اليوم والغد لهذه الطريقة …
حفظ الله بلدنا الحبيب في تراثه الصوفي الغني.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

نصر الله بلخياط

الوثائق المرفقة :

1 comments

Laissez un commentaire